أين اختفت الأخلاق الرياضية التي كان يمثلها جيل هذه الصورة؟
جيل كان يعشق كرة القدم ويحب فرقه الرياضية في مختلف المدن المغربية التي كان يسافر إليها لمتابعة المباريات دون أن يحدث ضجيجا ولا “شوشرة ” و ” تشرميلا” مجسدا قيم النبل والاحترام، لأنه يؤمن برسالته النبيلة التي ضحى من أجلها في أفق بناء مجتمع يسوده الاحترام والتقدير.
ورغم أن جيل الستينيات والسبعينات من القرن الماضي، عانى ويلات ما اصطلح عليه ب”سنوات الجمر والرصاص” وضحى بحياته من أجل كرامة المواطن المغربي لبناء وطن يسع الجميع، لم يضمر الأحقاد لجلاديه لينتهز الفرصة وينتقم منهم بسبب ما جرعوه من الآلام التي لا تكفي سير مطولة لحكاية جزء من فصولها، تصالح مع ماضيه من أجل مستقبله ضمانا لأبنائه وحفدته عيشا كريما يجسد قين الكرامة والإنسانية.
جيل كان يحتفي بالكرة يوم الآحاد في الميادين الرياضية، يرتدي أجمل الثياب ليظهر بمظهر يليق بمشجع رياضي بحب فريقه ويقدم له يد المساعدة وقت الشدائد، بل لا يتردد في معاقبة كل يفسد فرحته بسلوك أساليب حضاريةسواء تعلق الأمر بالمكاتب المسيرة أو باللاعبين الذين يتهاونون في الدفاع عن قميص فريقهم.
الذهاب إلى الملاعب الرياضية، كان تسبقه طقوس لم يبق منها إلا صيحات التهجين والتخوين واتهامات بالفساد، علما أن بعض من يطلق الاتهامات الرخيصة في الملاعب الرياضية عبر التراب الوطني- باستغلال سذاجة الجمهور وطيبته- متورط حتى النخاع في فضائح رياضية أو سلوكات مقيتة أضرت بالفرق الرياضية وساهمت في تخريبها.
لقد تحولت الملاعب الرياضية عبر التراب الوطني إلى فضاء للتعبير عن مكبوتات داخلية (ليست جنسية بالطبع) لا تسمح إلا الكلام المستهجن والشعارات الحاطة من كرامة الإنسان والتي تساهم حتما في تشريد الأسر، لأن الأبناء مثلا لا يقبلون بأن يرمى آباؤهم باتهامات تضر بسمعة العائلة، لذا فإنهم يفضلون إحداث قطيعة من المعنيين أملا في لحظة سكينة هاربة.
وفي ظل الأجواء الاحتفالية في الملاعب الرياضية إبان الزمن الجميل، كانت النساء/ الأمهات تخصصن يوم الآحاد لمتابعة فريق المدينة والتخلص من المتاعب الأسرية اليومية وصداع الأبناء، وكن تشاركن الجمهور الرياضي في رفع شعارات تحترم القيم النبيلة والإنسانية، إذ أن أسوأ شعار كان يرفعه الجمهور إذا ما عيان أن الحكم الذي كان يملك سلطة القرار ينحاز للفريق الآخر، ولتنبيهه كان يرفع الشعار” أ لربيت أمسخوط الوالدين”
لقد أصبح مخجلا اليوم، أن ترافق ابنك إلى الملاعب الرياضية، لأنك لن تسمع سوى كلام يخدش الأعراض وشعارت تحتفي بكل الكلام السوقي الذي يضر الفرق الرياضية أمكثر ما ينفعها، بل تتطور الأمر إلى صراعات دموية مجانية يذهب ضحيتها بعض الجماهير البريئة التي يتم زجها بالسجن لمصادفتها لحظة المواجهات الدامية التي تصل أحيانا حد القتل، بعدما صارت الضغينة والحقد والجهل شعارا للمرحلة الراهنة.
أصبحت كرة القدم في أيامنا الراهنة وسيلة لتصفية حسابات سياسية وشخصية، وبالتالي فإن رفع شعارات في الملاعب الرياضية تدين بعض أعضاء المكاتب المسيرة بالفساد أمر مقبول إذا ما توافرت الحجج والدلائل الدامغة لمعاقبة كل المفسدين الذين يجعلون كرة القدم صكا تجاريا لتلبية نزوعاتهم الشخصية ومراكمة الأموال على حساب تطور الفريق الرياضية.
وكان بالأحرى، في نظري، تقديم شكايات إلى المحاكم المتواجدة عبر التراب الوطني ضد كل من يتهمونه بالفساد، معززة بأدلة وبراهين ووثائق تستند إليها المحكمة لردع كل المتلاعبين والمفسدين، بدل ترديد اتهامات وشعارات يتبخر مفعولها بعد نهاية المباراة… ليتحمل كل مواطن المسؤولية فيما يبدر عنه من تصرفات، والمساهمة في نشر الوعي والسكينة في الملاعب الرياضية التي اجتاحتها نيران الشغب والفوضى وتبادل الاتهامات