أراء وكتاب

طلحة جبريل: نحو كتابة صحافية سليمة وراقية

صورة طلحة جبريل مع المحجوب الصفريوي رحمه الله

سعيد فالق

فليأذن لي صديقي طلحة جبريل، أن أشاركه رغبته، وأنشر في موقعي نصه التليد الذي يستحضر جيلا من الصحافيين الألمعيين الذين رسموا مسار جيدا للصحافة المغربية، وكرسوا في كتاباتهم لغة عربية سليمة مشذبة من اللغة السوقية التي تستعمل دون خجل، في مواقع تعمل بأناة لهدم صروح اللغة العربية المستعصية على القبض.

نفاجأ اليوم بالكم الهائل من الصحافة الرديئة التافهة، التي تنشر القبح وترسخ قيم الانتهازية والتواكل، بعد أن توارت الصحافة الجادة، لتفسح المجال للهجوم الكاسح لعناوين التفاهة التي تتسيد المشهد الإعلامي الذي يمر بفترات عصيبة، بعد أن استحكم رقبته جيل من المحسوبين على الصحافة الذين يملكون ثقافة ضحلة تفتقر إلى أدنى مقومات الصحافة الحقيقية.

يتلمس الصحافي البارز طلحة جبريل في كتاباته طريق خلاص الصحافة من مخالب التفاهة والرداءة ، بعدما قادها إلى العالمية جيل من الصحافيين الألمعيين، وضعوا اللبنات الحقيقية لصحافة مغربية جادة، أصبحت قواعدها تنهار يوما بعد يوم جراء الضربات المتتالية التي تلقتها، ولم يعد لنا من عزاء سوى العودة إلى النبع الصافي لنمتح منه صفاء اللغة التي تبعدنا عالم التفاهة والرداءة..

لا تستقيم الصحافة، إلا بلغة عربية سليمة تستوعب الفكرة النيرة والقيم النبيلة، وتقدم للناشئين طابقا شهيا من المعرفة في وعاء لغة عربية تمتح من قيم النبل وتسعى إلى بناء مجد غابر.

طلحة جبريل
قفزت من تلافيف الذاكرة  صورة ذهنية، تجسد أربع قامات في المجال الصحافي : عبد الكريم غلاب ومحمد العربي المساري و عبدالجبار السحيمي والمحجوب الصفريوي .تعلمت منهم الكثير في تلك البناية التي كان عنوانها ” 11 شارع علال بن عبدالله “.لكن ما هي “أسباب النزول” كما يقول الفقهاء .كنت توقفت مدة طويلة عن كتابة النسخة الثانية من “كتاب الأسلوب..صياغة الخبر والقصة الخبرية في الصحافة العربية “. وهي نسخة مغايرة تماماً ، وفي ظني أنها تتسق ما يتوخاه  “الصحافي الشامل” وهو المفهوم الجديد في مجال الإعلام، أي الصحافي الذي يمكن أن يعمل في المكتوب والمرئي والمسموع (ليس السمعي البصري وهو تعبير خاطئ تماماً). اخترت عنواناً للكتاب من كلمة واحدة: “الصحافي” ثم عنواناً فرعياً “تقنيات الكتابة الصحافية ..وإضاءات عن الصحافة الاستقصائية”.سيكون هناك ملحق لما يمكن أن نطلق عليه “كتاب الأسلوب” أي الخطأ والصواب في الكتابة الصحافية في جميع وسائل الإعلام.

سأقدم لكم بعض النماذج ، لكن قبل ذلك أقول صادقاً إن هناك مشكلة حقيقية في النشر ، لذلك ظلت أربعة كتب فرغت منها قبل أشهر في جوف الحاسوب، وكان ذلك مرد التوقف عن مواصلة كتاب “الصحافي”. أعود إلى القامات الأربع ، رحمهما الله جميعاً، كانوا يحرصون حرصاً شديداً على أسلوب الكتابة الصحافية السليمة والراقية.أتذكر أن هناك تَعَابِير تعد كتابتها ليس بمثابة ذلة ، بل خطأً عقوبته التوبيخ الشديد.على سبيل المثال : “يعاني من مرض” والصحيح بالطبع ” يعاني مرضاً”، و” أكد على ضرورة “، والصحيح ” أكد ضرورة ” . والاستعمالات الخاطئة لكلمة “يتعاطى”، كأن يقال ” التعاطي مع هذا الأمر” والصحيح أن يتعاطى تستعمل فقط عندما نتحدث عن “تعاطي المخدرات والكحول”.وإليكم بعض النماذج المتداولة بكثرة في الإذاعات والقنوات التلفزية. يقال ” الأسبوع القادم “وهي “الأسبوع المقبل”. والرجل يرتدي عمامة، والصحيح يعتمر. كما يقال إن السيدة ترتدي حذاءً، والصحيح تنتعل حذاء. والصحيح أيضاً ” لم يسبق له مثيل” وليس “غير مسبوق”. وكثيراً ما يكتب أمريكا أو الأمريكي ، والصحيح  أميركا والأميركي .وطوال الطريق رفعت يافطات، والصحيح لافتات.ثم  الأفضل استخدام كلمة صحيفة بدلاً من جريدة.أكتفي بهذا القدر، أختم وأقول إن وسائل الإعلام في المنطقة،تائهة في دنيا متغيرة، وتبدو لي بأنها لا تعرف كنه هذه المتغيرات التي طرأت في مجال الإعلام والتواصل، ولا هي قادرة على تحديد موقعها وموقفها منها.لذلك هناك أزمة في العقل والنفس والمزاج ، وأخطاء تتراكم في أسلوب نقل المعلومة للمتلقي، سواء كان قارئاً أو مستمعاً أو مشاهداً .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى