أخبار جهويةإقتصاد و أعمال

منتجوا الورود بأولاد أمبارك داي يشكون كساد فلاحتهم…و خسائر بملايين الدراهم…

صناع الرومانسية…حين تذبل الورود

بني ملال/عادل المحبوبي

      دوام الحال من المحال ،مقولة نستحضرها عادة عند تغير أحوال أي مواطن من الأحسن إلى الأسوء ،في شتى مناحي حياته ،و هي نفس المقولة التي يمكن إن نسقطها اليوم ،بجميع تفاصيلها و تجلياتها على قطاع حيوي بجهة بني ملال خنيفرة ،و بالضبط بمنطقة أولاد أمبارك داي ،يتعلق الأمر بقطاع إنتاج الورود ،الذي يقف اليوم أكثر من أي وقت مضى على شفى حفرة من شبح الإفلاس ،لسبب معروف يتعلق بتداعيات انتشار جائحة كورونا المستجد “كوفيد 19” ،التي لم تعد اليوم تحصد فقط الأرواح بل تجاوزته لحصاد الأرزاق.

قبل أشهر قليلة زارت “الأحداث المغربية” منطقة أولاد أمبارك داي ،التي تبعد بضع كيلومترات عن مدينة بني ملال ،كانت جميع الطرق تؤدي الى هذه المنطقة التي تعد عاصمة لإنتاج ورود الزينة على الصعيد الوطني ،بإنتاج ضخم ،يؤثث بعضه السوق الوطنية ،فيما يخصص الباقي للتصدير ،خاصة نحو أوروبا ،و هي الزيارة التي لامست من خلالها الجريدة عن كثب ،حيوية هذا القطاع ،و ارتباطه الوثيق بالدفع بعجلة الإقتصاد المحلي ،من خلال توفير الآلاف من فرص الشغل المباشرة و غير المباشرة ،لأبناء المنطقة أو الفلاحين القادمين من جهات بعيدة ،جميع من التقيناهم حينها بدت على محياهم علامات الرضى و الفرح من مردود القطاع ،و إفتخارهم بمساهمتهم في جعل منطقتهم تحظى بشهرة عالمية في صناعة الجمال و الرومانسية ، أي صناعة الورود و ليست أية ورود ،بل تلك المخصصة لتقديمها في الأفراح و المناسبات.

كانت الساعة تشير الى منتصف يوم الأربعاء 22 أبريل الجاري ،حين زارت الجريدة المنطقة مرة أخرى  ،زيارة لم يكن الهدف منها إبراز تطور القطاع بالمنطقة ،بل إستجابة لنداء العديد من ساكنتها و فلاحيها ،الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب ،بسبب الأزمة التي دخلوها إقتصاديا جراء انتشار هذا العدو الجديد الذي لا يرى ،و المتعلق بجائحة كورونا المستجد.

 إكفهرت الوجوه و إسودت ،لدى أغلب المنتجين ،و تحولت ملامح الفرح إلى حزن شديد بسبب الوضع الذي آلت إليه سلسلة إنتاج الورود بالمنطقة  ،خسائر بملايين الدراهم ،بسبب كثرة العرض و انعدام الطلب ،وضعية جعلتهم يوجهون عبر “الأحداث المغربية” نداء الى الجهات المسؤولة لتخليصهم من إفلاس أصبح وشيكا و  يتربص بهم من كل النواحي.

إنتاج ضخم…و خسائر أضخم

 لا يخفى على الجميع ،أن الموسم الفلاحي الجاري شهد تراجعا كبيرا من حيث إنتاج أغلب المنتوجات الفلاحية ،بسبب موجة الجفاف التي ضربت بلادنا ،إلا أن هذا الوضع لم يتأثر به بشكل تام قطاع إنتاج الورود بالمنطقة بإعتبار أن أغلب الضيعات و البيوت البلاستيكية المخصصة للإنتاج استثمرت فيها أموال مهمة من أجل حفر الآبار و توفير المياه على مدار السنة ،و بالتالي فالسنة الفلاحية الجارية عرفت بدورها انتاجا مهما من ورود الزينة بأغلب ضيعات المنطقة.

يؤكد مصطفى ضحوك ،أحد أكبر المنتجين لورود الزينة على الصعيد الوطني ،أن الانتاج هذه السنة إعتيادي و لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر ، ضاربا المثل بضيعته التي أنتجت داخلها السنة الجارية أزيد من مليون وردة ،بمختلف الألوان و الأحجام و الأنواع ،حيث كان من المفروض أن تنطلق عملية التسويق بدورها بشكل إعتيادي ،إلا أنه حدث ما لم يكن في الحسبان ،ظهور وباء كورونا المستجد ،و إعلان السلطات المغربية حزمة من الإجراءات التي تهدف التصدي له ،من بينها إعلان الحجر الصحي ،و بالتالي توقف الطلب بشكل تام ،على الورود ،من طرف المستوردين سواء بالسوق الوطنية أو العالمية ،لتتحول بذلك المعادلة التي ألفوها سنويا التي تتقوم على أن  “العرض أقل من الطلب” إلى “العرض أكثر من الطلب” مع التأكيد أن الطلب تحول مع الأيام القليلة الأولى للجائحة إلى وضعية “الإنعدام التام”.

بنبرة حسرة و غبن شديدتين ،يتحدث ضحوك عن مشروعه بالمنطقة الذي أكد أن تكاليف إقامته فاقت المليار سنتيم ،قبل أن يجد نفسه اليوم بسبب توقف عملية التسويق جراء إنتشار الفيروس إياه ،يتكبد خسائر مالية ضخمة ،تبلغ ما بين 15 ألف و 20 ألف درهم يوميا ،مضيفا أن الوضع الذي يعيشه بمعية أغلب الفلاحين المختصين في إنتاج الورود لا يعلم به إلا الله.

نفس المتحدث ،أشار إلى أن أغلب الفلاحين بمنطقة أولاد امبارك داي لا يعرفون حرفة غير سلسلة إنتاج الورود ،الأمر الذي وضعهم بسبب هذا المستجد غير المتوقع أمام وضع لا يحسدون عليه، بإعتبار أن أغلبهم لديهم إلتزامات مع شركات و ممونين اقتنوا من لديهم أغلب التجهيزات و المواد الأولية التي تحتاجها سلسلة الإنتاج ،معولين في سدادها على مردود الإنتاج ،مضيفا ان أغلب الإلتزامات موثقة بعقود و كمبيالات تحتاج لسداد في وقت محدد ،ما سيجعلهم اليوم أمام فرضية لجوء الشركات و الممونين إياها للقضاء لإسترداد أموالهم في حالة عدم الإلتزام بسدادها في الأوقات المحددة سلفا.

هذا الوضع المأساوي ،على حد تعبير متحدثنا ،طال كذلك مجموعة من المستثمرين الشباب ،حديثي العهد بالقطاع ،ممن جندوا كل ما في جعبتهم من رأسمال نحو الإستثمار في هذا القطاع الذي راهنوا عليه كثيرا للدفع بعجلة الإقتصاد المحلي ،من خلال الحصول على أرباح مهمة ،في مقابل استفادة أبناء المنطقة من فرص شغل دائمة يستطيعون من خلالها تدبر تكاليف الحياة اليومية لهم و لفلذات أكبادهم ،فأغلبهم مكلف بتوفير القوت اليومي لأسر بعضها ممتدة.

فرص شغل…مع وقف التنفيذ

مع توقف الطلب على الورود بالسوقين الوطنية و العالمية ،وجد فلاحوا منطقة أولاد امبارك داي أنفسهم أمام حتمية ضرورة تقليص النفقات  ،و نهج سياسة التقشف قدر الإمكان ،الأمر الذي إنعكس بشكل واضح على فرص الشغل بالقطاع ،التي تراجعت بالعديد من الضيعات بالمنطقة الى الحدود الدنيا ،و إنعدمت في أخرى ،حسب ما عاينته الجريدة.

اغلب ساكنة المنطقة و المناطق المجاورة لها ،ظلت هذه الفلاحة موردها الرئيسي للعيش ،يتوجهون بشكل يومي نحو الضيعات و البيوت البلاستيكية للبحث عن قوت يومهم ،أغلب تلك الضيعات ،تشغل ،حسب مصطفى ضحوك ،مالك إحداها ،أزيد من 40 منصب شغل في كل واحدة منها ،كفرصة شغل مباشرة ،تضاف إليها ،في بعض الأحيان ،تزامنا مع وقت الذروة ،20 فرصة شغل أخرى ،لتصبح في المجموع 60 فرصة شغل لكل ضيعة.

“تكرفسنا بزاف و متوقعناش نوصلو لهادشي” بهذه الطريقة تحدث عبد الرحيم ،38 سنة ،من أبناء المنطقة ،إلتقته الجريدة أمام إحدى الحقول ،وهو يجلس القرفصاء ، و علامات الضجر بادية على محياه ،مشيرا بكثير من الأسى و الحزن إلى أنه قد فقد شغله مؤقتا بسبب تداعيات جائحة كورونا المستجد ،الأكثر من ذلك أن شقيقه كذلك طالته نفس الإجراءات ،ما أدخلهم في أزمة مالية غير مسبوقة ،خاصة أن مدخولهم من العمل يكفي لتسديد النفقات اليومية للمعيشة ،أي أنهم يجدون صعوبة في الإدخار.

و حول موقفه من مشغليه بعد الإستغناء عنه ،يضيف عبد الرحيم “الله يحسن عوانهم حتى هما صارفين الملايين ديال الفلوس و في الأخير كيشوفو فكل ما ضربو عليه تمارة كيضيع قدام عينيهم و ملاقينش حل” ،مسترسلا ،بعد أن تحولت ملامحه الحزينة إلى إبتسامة خفيفة : “شكون غادي يشري الورد دابا فلا حبيبة في زمن كورونا” ، إجابة طريفة لخصت المشهد ،و جعلتنا نقف بشكل كلي على حجم الأزمة الإقتصادية التي عصفت بقطاع كان و لا يزال مفخرة لساكنة المنطقة ،حيث أكد متحدثنا ،بأنهم يحسون بالفخر بأن سواعدهم و عرق جبينهم حول منطقة منسية بإقليم بني ملال إلى عاصمة “ورود الزينة” على الصعيد الوطني.

لجنة اليقظة…نداء عاجل

اليوم ،و في خضم هذا الوضع الذي آلت إليه الأمور في قطاع إنتاج الورود بمنطقة أولاد امبارك داي ،ناشد مصطفى ضحوك ،واحد من مالكي الضيعات الفلاحية لانتاج الورود ، لجنة اليقظة الإقتصادية التي يشرف عليها وزير الإقتصاد و المالية و تحديث الإدارة محمد بنشعبون ،و التي تم إحداثها بالمناسبة لتتبع انعكاسات جائحة كورونا على الإقتصاد الوطني ،(ناشدها) بسن إجراءات لتخفيف من آثار الجائحة على فلاحي و منتجي الورود ،مذكرا في هذا السياق أن بعضهم أصبحت تتهدده مقصلة الإفلاس.

بغينا اللجنة تشوف من حالنا ،”متنطلبوش تعوضنا في كلشي ،فقط تخفف علينا الخسائر حنا راضيين بقضاء الله و قدره ” ،بهذه العبارة استهل مصطفى ضحوك ،مناشدته للجنة اليقظة الإقتصادية على أمل التفاتة منها ،موجها في المقابل دعوته للجهات المختصة للقيام بزيارة لعين المكان و الوقوف على حجم الضرر و الخسائر التي تعرض لها القطاع.

نفس النداء وجهه بعض العمال الموسميين بضيعات الورود بالمنطقة لإنصافهم إثر توفقهم الإضطراري عن العمل ،مما جعلهم في حالة بطالة لم يضربوا لها حسابا من قبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى