هل الصحافة تختزل في إصدار جريدة والحصول على البطاقة المهنية؟
مجلة تادلة أزيلال بريس : رئيس التحرير محمد الحطاب
أكيد أن الصحافة مهنة يؤطرها معهد متخصص، لكن دروس المعهد لا يمكنها لوحدها أن تصنع صحفياً، إلا إذا كانت تجري أصلا في عروق الطالب الصحفي فطرة وحب هذه المهنة. كما أن البطاقة المهنية التي تمنحها وزارة الاتصال لا يمكنها بدروها أن تصنع الصحفي المهني، بل من يصنع الصحافي هو قلمه..
مناسبة هذا الكلام هو ما نراه ونسمعه من تهليل وتطبيل من طرف بعض المتطفلين على الميدان الاعلامي، لما يسمى ببطاقة الصحافة. ففي إحدى المدن المغربية، قام شخص “أمي” لا يفقه شيئاً في الصحافة وليس له أي تكوين مسبق، بإصدار جريدة جهوية شهرية، الأولى في مدينته، والتي حظيت بدعم من السلطات المحلية ومن بعض المنتخبين، مما مكن مديرها “الأمي” من إصدار الأعداد المطلوبة للحصول على البطاقة المهنية المسماة “بطاقة الصحفي المهني”.
فبمجرد حصول هذا الأمي على البطاقة المهنية، أول ما فكر فيه هو إقصاء المراسلين الصحفيين بهذه المدينة والتصدي لهم لأنه الوحيد الذي يتوفر على البطاقة المهنية ، حيث قام بنشر صورة لبطاقته المهنية على الصفحة الأولى من جريدته معلقا : “هذه هي بطاقة الصحافة الحقيقية والوحيدة، وليس البطائق التي يدلي بها الآخرون”، ويحذر الجميع من التعامل مع كل من يحمل بطائق صحافية أخرى”، علماً أن صاحب الجريدة لا يكتب أي مقال في جريدته، بل يؤجر أقلام بعض رجال التعليم، الذين يحررون له مقالات ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
أمثال هذا الصحافي “الأمي” من مدراء الجرائد الجهوية كثيرون، يعتمدون أولاً على المراسلين والمتعاونين من رجال التعليم بالخصوص لملء صفحات جرائدهم بمقالاتهم، ثم على السلطات والمنتخبين لدعمهم مادياً. ثم إن هناك أناس آخرون يشتغلون في ميدان الصحافة مع أنها ليست مهنتهم الأساسية. فالصحافة ليست مجرد مهنة فحسب، لكنها أيضاً إبداع ونضال وممارسة ونزاهة..
أن تكون صحافيا ليس معناه أن تكون حاملا لبطاقة وزارة الاتصال.. لأن هذه البطاقة بات يحملها من هب ودب.. وأن تكون صحافيا ليس معناه أن تصدر جريدة، لأن إصدار جريدة هو رسالة.. ورسالة نبيلة.
بعض مدراء الجرائد الجهوية يستغلون مهنة الصحافة، من أجل الاسترزاق والنصب على المواطنين بشتى الوسائل. فإذا كانت وزارة الاتصال قد فطنت إلى هذا التسيب، فقد حاولت في سنة 2014، وضع حد للجرائد الجهوية غير المهيكلة التي لا تصدر عن شركة، ما يقصي عدداً كبيراً من الجرائد المحلية، لكنها لم تحل بهذا الإجراء مشكل مدراء الجرائد الجهوية الأميين الذين لازالوا يحصلون على بطائق الصحافة، ما يدعو إعادة النظر في المستوى الدراسي لكل شخص يرغب في إصدار جريدة.
ومن جانبها سارت النقابة الوطنية للصحافة المغربية على نفس النهج، ورفضت طلبات الانخراط لكل جريدة جهوية لا تتوفر على مقاولة، كما أن النقابة حصرت انخراط الجرائد الجهوية المقاولة في مدير النشر ورئيس التحرير.
يبقى فقط أن يكون قانون الصحافة والنشر”المنتظر” في مستوى هذه الانتظارات، من أجل إعادة الاعتبار للصحافة المغربية من جهة وللصحافي المهني والمراسل الملتزم من جهة ثانية، وأيضا من أجل تحرير المجال الاعلامي من كل الشوائب التي تعيقه وتسيء إلى نبل المهنة.