تثمين الباكلوريا المهنية لتشجيع التلاميذ على اختياراتهم وتأهيل الشباب لسوق الشغل

تمثل الباكلوريا المهنية جسرا يربط بين التكوين المهني ومؤسسات التعليم العالي، إذ تسمح للمستفيدين في مراكز التكوين المهني بمواصلة تعليمهم العالي إلى آخر مراحله، فهي مسار مناسب لمن لهم قدرات عملية وملكات تفكير عملي ومهارات يدوية ولمن ليس لهم القدرات الكافية على التفكير المجرد الذي يتطلبه التعليم العادي. وتفتح البكالوريا المهنية الآفاق أمام المتكونين مهنيا وتجعلهم يقبلون أكثر على التكوين المهني لأنه سيصبح مثله مثل التعليم العادي يسمح لهم بدخول مدرجات الجامعة.
وقد أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أهمية كبرى لمراكز التكوين المعني وأعطى تعليماته لتأهيل عرض التكوين المهني وتنويع وتثمين المهن وتحديث المناهج البيداغوجية ويتعلق الأمر، على الخصوص، بإعادة هيكلة شعب التكوين المهني، وإحداث جيل جديد من مراكز تكوين وتأهيل الشباب، وإقرار مجلس التوجيه المبكر نحو الشعب المهنية، وتطوير التكوين بالتناوب، وتعلم اللغات وكذا النهوض بدعم إحداث المقاولات من طرف الشباب في مجالات تخصصاتهم.
كما حث جلالته على تطوير تكوينات جديدة في القطاعات والمهن الواعدة، مع تأهيل التكوينات في المهن التي تنعت بالكلاسيكية، والتي تبقى المصادر الرئيسية لفرص الشغل بالنسبة للشباب، مثل تلك المرتبطة بقطاعات الصناعة، والخدمات، والبناء والأشغال العمومية، والفلاحة والصيد والماء والطاقة والصناعة التقليدية.
و شدد جلالة الملك، على ضرورة تطوير عرض التكوين المهني بشكل أكبر، من خلال تبني معايير جديدة للجودة، خاصة في قطاع الفندقة والسياحة بكيفية تحفز وتواكب الإقلاع الضروري لهذا القطاع باعتباره رافعة استراتيجية، ومسارا واعدا لتهيئ الشباب لولوج الشغل والاندماج المهني بعد أن تأكد فشل مقاربات تعليمية في تكوين التلاميذ وتأهيلهم لسوق الشغل، وبالتالي ضاعت على المغرب فرص عديدة إثر تخريج أجيال من الجامعات بدون أدنى مستوى تأهيلي يؤهلهم لسوق الشغل ما ساهم في انتشار البطالة في صفوف المتعلمين.
وقدم سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، في لقاءات عدة الخطوط العريضة لخارطة الطريق المتعلقة بتطوير التكوين المهني وإحداث مدن المهن والكفاءات في كل جهة.
ويعتبر إطلاق الباكالوريا المهنية، بمؤسسات التربية الوطنية، وإنشاء مراكز التميز في مجالات التكوين المهني بهدف تزويد الشباب بتكوين عالي الجودة، أحد الممرات الأساسية التي تؤهل تلاميذ الباكلوريا المهنية لولوج مراكز التكوين بعد أن تلقوا تكوينات تجمع بين الدروس النظرية والتطبيقية التي كانت تتم في مراكز التكوين تحت إشراف أساتذة متخصصين في مواد مهنية وعلمية.
وتراهن هذه الاستراتيجية الفعالة حول البكالوريا المهنية على تغطية العديد من المواضيع الرئيسية التي ستمكن الشباب من إيجاد فرص العمل في ظروف مواتية، وتلبية انتظارات الاقتصاد الوطني واحتياجات المهنيين..
ورغم المجهودات المبذولة من أجل تثمين البكالوريا المهنية لاستقطاب مزيد من التلاميذ بهدف تأهيلهم لسوق الشغل، برزت مجموعة من المشاكل الميدانية، تمثلت في عزوف معظم التلاميذ عن اختيار الشعب المهنية للآفاق المحدودة في مختلف الشعب المهنية ما يحول دون تحقيق أهدافهم.
وبمجرد حصول التلميذ على البكالوريا المهنية التي تصبح صعبة المنال، نظرا لنسب النجاح الضئيلة وفشل العديد من التلاميذ الذين لا يتمكنون من اجتياز امتحانات البكالوريا بتفوق، إذ لا تتجاوز النسبة المسجلة عتبة 45 في المائة مقارنة مع شعب علمية تجاوزت 72 في المائة وطنيا، وحتى حين يحصل التلميذ على مبتغاه بعد جهد كبير، فإن المعدلات المحصل عليها من قبل تلاميذ الباكلوريا المهنية لا تسمح لهم بمنافسة آخرين يمثلون شعبا آخرى، لتضيع بذلك فرص ولوجهم إلى مراكز التكوين التي تبقى المنفذ الوحيد لعدد من التلاميذ الذين آمنوا بحظوظهم في الدراسة المهنية، لكن المعايير المعتمدة في المراكز المهنية لاستقبالهم تبقى بعيدة كل البعد عن التوجهات الكبرى التي رسمتها البلاد بعد أن أنجزت خارطة طريق وضعت التكوين المهني في صلب التنمية المستدامة، وبذلك ضاعت أحلام جيل آمن بحظوظه في تعليم مهني يضمن لهم مستقبلا مهنيا سرعان ما ينهار أمام المعايير المجحفة التي لم تراعي اختياراتهم وتوجهاتهم.
ويبقى الخلاص الوحيد من الإجحاف الذي يلحق تلاميذ الباكالوريا المهنية الذين يقضون سنوات من التأهيل، ويستعدون لولوج سوق الشغل عن غيرهم من التلاميذ في الشعب العلمية الأخرى، هو إعادة ترتيب الأوراق من جديد وتمكين الحاصلين على الباكلوريا المهنية من اختياراتهم المهنية بعيدا عن المنافسة تكريسا لمبدإ الاستحقاق وتثمينا للشهادة المهنية التي لا يحصل عليها التلميذ إلا بعد قضاء سنوات من العمل والمثابرة.