قاضي التوثيق والموثق يضفيان الصبغة الرسمية على المحررات لحماية حقوق المواطنين
كما لا يخفى على أحد أن الهدف من المحرر الرسمي هو توفير وثيقة حاسمة مثبتة للحق ومانعة من المجادلة فيه، لهذا فالبحث في حجية الوثيقة الرسمية أمر ضروري لتحصيل هذه الغاية. فالتساؤل الذي يطرح هل كل من الموثق والعدل يضفيان الصبغة الرسمية على المحررات التي يتلقونها؟
بمقتضى الفصل 35 من قانون 09-32 المنظم لمهنة التوثيق، فالموثق يتلقى العقود التي يفرض القانون إعطاءها الصبغة الرسمية المرتبطة بأعمال السلطة العمومية أو التي يرغب الأطراف في إضفاء الطابع عليها ويقوم بإثبات تاريخها وضمان حفظ أصولها وتسليم نظائر ونسخ عنها.
فالموثق بمجرد تلقيه توقيع الأطراف وبعد توقيعه يصبح العقد رسميا وذات قوة ثبوتية، مما يزيد من بعث الثقة في نفوس المتعاقدين في مؤسسة التوثيق “العصري”، فالعقد التوثيقي يعد حجة ودليلا قاطعا في مواجهة الغير فيما يخص الوقائع والاتفاقات التي يشهد عليها الموثق، بحيث يعتبر مفوضا من السلطة العمومية وأنه لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور.
أضف إلى ذلك، أن الموثق يشترط فيه الإجازة في القانون الخاص وبعد اجتيازه مباراة الولوج، فمدة التمرين هي أربع سنوات إلا أن الواقع الفعلي يقرر أن متوسط مدة التمرين يتجاوز سبع سنوات من التمرين بل أحيانا يفوق عشر سنوات.
فطول مدة التمرين والممارسة التوثيقية وصرامة التكوين وتشعبه وصعوبته حيث يشمل القانون العقاري، التجاري، المدني، قانون الشركات، القانون الضريبي، قانون المحاسبة، قانون الدولي الخاص، قانون الأحوال الشخصية، المساطر القضائية، التنظيم القضائي، بعض القوانين الأجنبية المقارنة علاوة على الممارسة الميدانية وهذا ما يجعله يتميز بالكفاءة والجودة لمواكبة جميع استثمارات المواطنين والأجانب.
فدور الموثق ينصرف إلى مجموع النصائح والإرشادات التي يقدمها للأطراف بشأن المسألة التعاقدية ولهذا سمي هذا الالتزام في الأدبيات الفقهية بالالتزام بالتبصير، والإعلام أم النصح. كما لا يقف عند إبرام العقود بل يمتد إلى استيفاء جميع الإجراءات الضرورية لكي يترتب عن العقد آثاره من تسجيل لدى إدارة التسجيل والتنبر وتقييده لدى المحافظة العقارية وأداء الضرائب وتحصيلها لفائدة الدولة، وبالنسبة للعمليات التجارية والشركات تقييدها بالسجل التجاري والقيام بعملية الإشهار الجريدة الرسمية.
أما فيما يخص الحجية القانونية للإشهاد العدلي، فإن العدل المحترم بسطات أبان من خلال مقاله عدم تمكنه من المعرفة القانونية وعن جهله القوانين المنظمة لمهنته، فاختلط عليه الأمر، فتمسك بمتمنيات معتقدا أنها حقيقة، ذلك انه لا يعترف بمؤسسة قاضي التوثيق لا يضفي الصبغة الرسمية على المحررات العدلية. وأن التسليم بعكس ذلك لمن قبيل حسب قوله ” السداجة-وذنب فاحش وخطأ فادح لا يغتفر”. عوض أن يحلل و يستند على أدلة قانونية دامغة، جاء مقاله خاليا من أية إشارة إلى نص قانوني يستند عليه، فلجأ إلى المجال الأخلاقي والديني فنصب نفسه مفتيا، فكيف الأمر بذنب وخطأ، وعدم الغفران…
ومن أجل إرجاع الأمور إلى نصابها وحثه على أهمية التكوين القانوني نثير الانتباه أن خطاب قاضي التوثيق يعتبر ركن الأساس في تحديد القيمة القانونية للمحرر العدلي لذلك قيل أن خطاب القاضي هو روح الشهادة.
فالخطاب هو الذي يكسب المحرر العدلي الصفة الرسمية، وذلك بصريح العبارات الواردة في المادة 418 من قانون.ل.ع التي تعتبر الرسمية ” الأوراق المخاطب عليها من طرف القضاة في محاكمهم” أي أن قبل الخطاب عليها تبقى مجرد أوراق بالتعبير الفقهي محض زمام أو تقييد كما تنص المادة 35 من قانون 03-16 المنظم لخطة العدالة “لا يكون إشهاد العدلين تاما إلا إذا كان مذيلا بخطاب قاضي التوثيق حينه يعتبر وثيقة رسمية”
بصراحة النص أن الوثيقة العدلية غير تامة، ولا يمكن الاعتماد عليها ولا ترقى إلى المحرر الرسمي إلا بعد أن يخاطب عليها قاضي التوثيق.
فلو كانت الوثيقة العدلية تستقل بحجيتها بمجرد تلقيها من طرف العدلين، ما كنا في حاجة إلى مؤسسة قاضي التوثيق. فالوثيقة العدلية بدون خطاب قاضي التوثيق لا يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي بل تبقى غير تامة. فالعدل يعتبر كاتب عدل يتلقى الشهادة وقاضي التوثيق هو الذي يضفي الصبغة الرسمية مثله مثل الموثق هو كذلك مفوض من السلطات العمومية بمقتضى القانون يضفي الصبغة الرسمية، ونظرا لهذا القاسم المشترك، فان المشرع ألحق مصطلح التوثيق إلى القاضي فأسماه بقاضي التوثيق، واسم العدل عدلا وليس موثقا. ومما يزكي ذلك فدورية وزارة العدل عدد 2/18693 بتاريخ 25 ماي 1987، تمنع على إطلاق العدول على أنفسهم صفة الموثق.
وكما سبقت الإشارة في مقالنا السابق، فان المشرع قد فطن لهذه المسألة ونص صراحة في المادة 93 من قانون 09-32 المنظم لمهنة التوثيق العصري، على أن كل من ادعى صفة موثق دون أن يستوفي الشروط اللازمة لحمل هذه الصفة واستعمل أي وسيلة ليوهم الغير أنه يزاول مهنة التوثيق يعتبر منتحلا لمهنة نظمها القانون ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 381 من قانون الجنائي المغربي.
لأنه من العدل إذا أراد العدل أن يصبح موثقا فيتعين أن تتوفر فيه شروط قانون 09-32 المنظم لمهنة التوثيق العصري وليس بمجرد جرة قلم أن يتم الجمع بين الصفتين.
وبناء على ما سبق وما دام السيد العدل المحترم، ادعى ان فهمنا للوثيقة العدلية هو فهم سطحي واستنتاج وهمي بمعنا المخالفة انه له فهم عميق للوثيقة العدلية واستنتاج حقيقي، وحتى يبقى منسجما مع فهمه وزعمه أن يبرهن على ذلك ويترجمه على أرض الواقع ويستغني عن خطاب قاضي التوثيق ويدلي بالشهادة أو الإشهاد الذي يتلقاه إلى المواطنين والإدارات العمومية بدون خطاب القاضي. ويخبرنا بعد ذلك بمصير حقوق المواطنين الذين لن يكتب لهم بإتباع هذا الموقف إلا الضياع الأكيد.
وفي إطار المقاربة التشاركية التي ينص عليها الدستور والتي تتبناها وزارة العدل والحريات نطلب من خلال هذا المنبر السيد الفاضل قاضي التوثيق بمحكمته الابتدائية بسطات، من أجل المشاركة في هذا النقاش القانوني وإغنائه وتحقيق الحياد والموضوعية العلمية وتنوير الرأي العام والمواطنين من خلال التفضل بالإجابة على هذه الأسئلة.
هل تلقى العدلين يضفي الصبغة الرسمية على الشهادة أو الاشهاد على تصرف قانوني معين، أم أن خطابكم سيدي قاضي التوثيق الفاضل ضروري لكي تكتمل الصفة الرسمية؟
بمعنى آخر هل خطابكم على المحرر العدلي يعتبر ركن ضروري أم أنه مجرد إجراء شكلي يقتصر على مراقبة الوثيقة كما يزعم السيد العدل المحترم الذي يمارس بدائرة اختصاصكم؟
كما ان الوثيقة العدلية يؤخذ عليها تعدد تواريخها التي تتضمنها فهناك تاريخ تلقي الشهادة أو الإشهاد من قبل العدلين ويدرجه في مقدمة الوثيقة، وتاريخ التضمين بأحد سجلات المحكمة ويرد في طرة الرسم و تاريخ التحرير والخطاب، ويردان في أسفل الوثيقة، مما يطرح مشكل تعيين التاريخ الذي يتعين الأخذ به لحسم بعض المسائل التي تستند إلى واقعة التاريخ كترجيح بين الحجج، هل هو تاريخ التلقي أم تاريخ خطاب قاضي التوثيق ما دام هو الذي يكسب الوثيقة العدلية الرسمية أم هو تاريخ تضمينها بسجلات المحكمة باعتبار أن التضمين لا يكون إلا بعد تأشير قاضي التوثيق على الوثيقة ومراقبتها؟
ومسك الختام قول الله تعالى ” وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ” سورة الاسراء الأية 85.