إدمون عمران لمليح مثقف من عملة نادرة، ظل يكتب إلى آخر نفس في حياته يمجد قيم الإنسانية الحقة
إدمون عمران المالح كاتب وصحفي مغربي يهودي رافض للصهيونية، يلقبه جيرانه وأصدقاؤه بالحاج إدمون. كان
متربطا أشد الارتباط بمدينة بني ملال التي يزورها بين الفينة والأخرى ليقضي أياما جميلة رفقة صديقيه الحميمين حسان بورقية وعبد الكريم جويطي، كان يعشق التجوال بين أزقتها ليستحضر ذاكرة اليهود المغاربة الذين تعاسشوا مع جيرانهم المغاربة في زنقة المقاومة التي مازالت شهادة على هذا التعايش الطبيعي الذي كازال ممتدا لحد الآن.
دخل عالم الكتابة الأدبية والفلسفية بعد بلوغه الستين من عمره، توفي في الرباط يوم 15 نوفمبر 2010، عاش سنواته الأخيرة، محبا للعزلة والتأمل في شقة بالرباط، ظل يكتب إلى آخر نفس في حياته، كان أصدقاؤه المخلصون يزورونه بين الفينة والأخرى لللترويح عنه، وظل مرحا في كل اللقاءات، يتنذر بحكاياته وقفاشه، وظل يحافظ على قواه العقلية والفكرية إلى آخر رمق في حياته..
رفض الرحيل إلى إسرائيل رغم الإغراءات التي كانت تقدم له، وظل وفيا لمغربيته ومبادئه التي رفض التنازل عنها، مؤمنا بقضيته الي دافع عنها منذ شبابه، مخلصا لأفكتاره التي لم تتبدل مكتفيلا بحياته البسيطة التي رفض التنازل عنها إلى تمت مواراة جثمانه الثرى.
الوظائف والمسؤوليات:
اشتغل إدمون المالح مدرسا لمادة الفلسفة بمدينة الدار البيضاء وصحافيا في جريدة “ليسبوار” (الأمل)، وكتب باسم مستعار هو عيسى العبدي في مواضيع متنوعة شملت الثقافي والفني والسياسي والاجتماعي، حيث أنجز تحقيقات اجتماعية عديدة عن العمال والفلاحين وعمال ميناء الدار البيضاء.
المولد والنشأة:
تعتبر أعمال إدمون المليح، الذي رأى النور سنة 1917 بمدينة آسفي الهادئة في كنف عائلة يهودية من الصويرة وتربى وسط تعايش كبير بين المغاربة اليهود والمسلمين، علامات مضيئة مستلهمة من الذاكرة اليهودية والعربية التي تحتفي بالانسجام الثقافي الذي يتميز به المغرب.
انخرط إدمون المليح، الذي يعتبر نفسه كاتبا عرضيا أتى للكتابة بالصدفة، في مسار الكفاح من أجل استقلال المغرب، قبل أن يهاجر إلى فرنسا حيث اشتغل أستاذا للفلسفة وصحافيا. وباشر منذ سنة 1980، وهو في سن ال63، تأليف سلسلة من الروايات والمؤلفات التي ما فتئت أن تحولت إلى مراجع عالمية بفضل الأبعاد الشاملة التي احتوتها والمواضيع الهامة التي تطرقت إليها.
وقد كان للتربية التي تلقاها إدمون المليح، في وسط تميز بتعايش كبير بين المغاربة اليهود والمسلمين ونسج فيه صداقات مع عدد من جيرانه المسلمين دون مشاكل أو شعور بالاختلاف مع المسلمين، عظيم الأثر على أعماله الخالدة.
ومن أبرز أعمال هذا المبدع الاستثنائي المفعم بالإنسانية، التي وظف فيها بفنية كبيرة تفاصيل وصورا التقطتها مخيلته على مدار سنوات حياته، “المجرى الثابت” (سنة 1980) و”أيلان أو ليل الحكي” (1983) و”ألف عام بيوم واحد” (1986) و”عودة أبو الحكي” (1990) و”أبو النور” (1995) و”حقيبة سيدي معاشو” (1998) و”المقهى الأزرق: زريريق” (1998) و”كتاب الأم” (2004 ).
الثقافة المغربية وتجلياتها.. الحاضر الأبرز في كتابات عمران المالح
تكشف مختلف كتابات إدمون المليح عن فضاءات وقضايا من قبيل الهوية الثقافية واللغة الأم والسيرة الذاتية. كما تميزت كتاباته بتصوير الطقوس والعادات المغربية، إلى جانب تقديمه لمناخ النضالات التي خاضها المغرب من أجل استقلاله.
ورغم كون كتاباته كلها باللغة الفرنسية، فإن الدارجة المغربية حاضرة فيها باعتبارها حاملة للدلالات التي سعى إدمون المليح إلى إيصالها إلى المتلقي والتي تركز في مجملها على المبادئ الإنسانية السامية وقيم العدالة والمساواة ورفض الظلم أيا كان مصدره وأيا كانت دواعيه.
ولم يتوان إدمون المليح عن التأكيد في مختلف المناسبات عن تشبثه بوطنه، وهو الذي أكد في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء على أن “الخيط الأساس الذي ينتظم مسار حياتي هو ارتباطي القوي بوطني”. كما أنه لطالما بدا مفتخرا وهو يتحدث عن أصوله الأمازيغية وانحداره من قبيلة آيت عمران جنوب الأطلس.
كما أن صفة التواضع انطبقت دوما عليه، فقد امتنع عن الحديث عن نفسه معتبرا أن “في ذلك الكثير من التمحور حول الذات”. وأكد أن الأمر بسيط. فهو يكتب مثلما الآخرون يرسمون أو يغنون أو يبيعون الخضر…”
فلسطين في البال والصهيونية حركة عنصرية
بقدر ما يفتخر إدمون عمران المليح أنه مغربي يهودي، بقدر ما يعبر عن رفضه لفكرة الهجرة إلى إسرائيل جملة وتفصيلا، قائلا إن الديانة ليست هي التي تحدد الوطن، بل ذهب لحد إدانة تهجير يهود المغرب إلى إسرائيل وكل من تواطأ في ذلك، معتبرا ذلك بمثابة سرقة مواطنين مغاربة من قبل دولة أخرى.
كما حرص دوما على التأكيد على إدانته الشديدة للصهيونية باعتبارها “حركة عنصرية وحشية تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب”، ” إنها جرائملبشعة ضد أبناء الشعب الفلسطيني الذي يكافح بكل ما أوتي من قوة من أجل حريته واستقلاله وحقه في وطنه”.
إدمون عمران المليح، حاصل على جائزة الاستحقاق الوطني بالمغرب سنة 1996 عن مجموع أعماله، ورحيله شكل صدمة لأصدقائه المغاربة الذين ودعوا فيه مثقفا بارزا من أعلام الثقافة المغربية الذين طبعوا الساحة الأدبية الوطنية والعالمية بإبداعاتهم التي تثري المكتبات وتنهل من معينها مختلف الأجيال المتعاقبة.