تتعمق معاناة الجزارين بمدينة بني ملال يوما بعد يوم رغم النداءات المتكررة بإصلاح مرافق المجزرة منذ سنة 2009، ولم يعد ممكنا الاستمرار في العبث الذي ما زال يشهده هذا المرفق الحيوي بعد أن فجر فيديو مسرب إلى قنوات التواصل الجماعي فضيحة “المجزرة الجماعية” التي تحولت إلى مجال لسوء التسيير الإداري للجماعة التي تضيع مداخيل مالية مهمة رمت بها إلى الإفلاس بعد أن تأكد أن عددا من الجزارين والمسؤولين يستفيدون من وضع الفوضى التي تعرفه المجزرة الجماعية.
ورغم صدور توصيات المجلس الأعلى للحسابات الذي نشر تقرير مفصلا عن سوء تسيير المجزرة الجماعية عقب زيارة قضاة المجلس لمرافقها منذ سنة 2013 استمر الوضع على ما هو عليه رغم تأكيد التقرير على ضرورة إصلاحها قبل أن يستعرض مجموعة من الاختلالات بالمجزرة، منها عدم إصدار الجماعة تراخيص المجزرة الجماعية وغياب التأمين عن المخاطر المرتبطة بالعمل داخل المجزرة، والسهر على وضع قانون داخلي خاص بالمجازر من شأنه الرقي بمستوى التدبير الأمني والإداري. كما نص التقرير الجماعة على تسريع وتيرة بناء المجزرة الجديدة والعمل على إغلاق وتأهيل المجزرة الحالية سيما أن المبنى لا يتوفر على أبواب محروسة وآمنة ومدخل البابين محتلين من طرف الباعة الحائلين ما يعرقل ولوج الشاحنات لنقل اللحوم علما أن البناية توجد في منطقة سكنية مأهولة بالسكان الذين يشتكون الضجيج والروائح الكريهة المنبعثة من المجزرة التي تتوفر على سقف مهترئ.
المجزرة الجديدة ما زالت أشغالها متوقفة
ونظرا للمشاكل التي تتخبط فيها للمجزرة الجماعية التي استفحلت منذ عقدين من الزمن بعد أن تمت تنحية الطاقم الذي كان يشرف عليها واستبداله بطاقم من موظفين وأعوان لا صلة لهم بتسيير المجازر ما أدى إلى بروز مشاكل بالجملة، وسادت الفوضى مرافق الجماعة وتم إهمال موظفيها من طرف إدارة المجلس الجماعي مع دعم بعض الجزارين في خرق واضح للقانون المنظم للمجازر وقمع الموظفين بغية كسب مزيد من الأصوات الانتخابية مقابل عدم تأدية واجب الرسم المفروض عن الذبيحة لفائدة مجموعة من الجزارين الذين رفضوا إخضاع “سقائط” الأغنام والماعز والاكتفاء بتقديرات وفق المزاج في تحد سافر لعمل الإدارة مع القيام بختم البهائم المذبوحة من طرف أعوان الجزارين ورفضهم لكل عمليات الفحص الطبي التي تكاد تكون منعدمة ما سمح المجال لتعم الفوضى داخل المجزرة دون مراعاة عامل سن البقر أو الخرفان المعروضة للذبح.
وتحدثت مصادر مطلعة عن عدم احترام أوقات الذبح وإدخال البهائم بطرق فوضاوية من جميع أبواب المجزرة رغم تحذيرات السلطات والجهات المعنية التي حرصت على عقد اجتماعات ظلت نتائجها حبرا على ورق.
وأسفر وضع التسيب بالمجزرة الجماعية عن رفض الجزارين، نقل اللحوم على متن شاحنات مخصصة لهذا الغرض وتعويضها بأخرى غير مجهزة. وكلما تدخل الموظفون بالمجزرة لترتيب الوضع وتقديم تقارير سواء للإدارة أو لمسؤولين آخرين، ووجهت اقتراحاتهم بالصدود والإهمال ما خلق ارتباكا لدى موظفي المجزرة الذين تواروا عن الأنظار لأنهم أصبحوا غير مرغوبين فيهم من طرف جهة باتت تتحكم في دواليب المجزرة.
وتساءل الجزارون عن تعطيل بناء مجزرة جديد بالسوق الجديد التي انطلقت الأشغال بها منذ سنوات، لكن توقفت الأشغال بالمجزرة دون معرفة الأسباب، وتم وضع عراقيل أمام الجزارين الذين يطالبون بتحسين أوضاع عملهم وتسريع وتيرة البناء لوضع حد للفوضى الذي تعرفه مرافق المجزرة القديمة التي تنبعث منها روائح كريهة تضر بجودة اللحوم التي توجه إلى المستهلكين بالمدينة.
واستفادت”مافيا اللحوم ” ببني ملال من الفوضى العارمة التي تشهدها مجزرة بني ملال، وتفننت في الغش في اللحوم والمتاجرة فيها على نطاق واسع بنقلها على متن دراجات نارية “تريبورتور لا تتوفر أدنى شروط السلامة والوقاية ما يهدد حياة مستهلكي اللحوم ويعرضها للخطر، علما أن الدراجات الناقلة للحوم من المجزرة تستغل فرصة إيهام المصالح المختصة من أمن ومسؤولين بسلامة وجودة اللحوم، لكن تلتجئ في طريقها إلى مخابئ ومنازل لا تخفى عن أعين عناصر السلطات المحلية لنقل لحوم الذبيحة السرية التي تثير شهية المعوزين والفقراء من المواطنين بثمنها الرخيص لكن تحمل في طياتها الخطر الداهم.
وتصطف ناقلات اللحوم العشوائية منذ الساعات الأولى من كل صباح أمام باب المجزرة الرئيس لاستقبال لحوم مهربة تنقلها بسرعة البرق إلى متاجر معروفة قبل أن تحمل في طريقها لحوم أخرى للذبيحة السرية تجدها في طريقها علما أن شركة للنقل مرخصة تملك رخصة لنقل اللحوم بواسطة شاحنات تتوفر على آليات النظافة والوقاية السليمة، لإيصالها إلى دكاكين الجزارين في أحسن الظروف باعتماد وسائل تقنية تستجيب لتطلعات المستهلكين.
وتساءلت جمعيات حماية المستهلكين بالمدينة، فضلا عن جمعيات حقوقية عن سبب صمت المسؤولين عما يجري داخل المجزرة الجماعية ببني ملال التي أصبحت عبئا على المدينة لما تشكله من أضرار ومخاطر على حياة مستهلكي اللحوم الحمراء التي تذبح في ظروف غير صحية، ويتم نقلها على متن دراجات نارية لا تتوفر على أدنى شروط السلامة، ناهيك عن استنزاف المجزرة لمداخيل الجماعية لأنها تسير بمنطق الزبونية.
ووزعت الشبكة المغربية لحقوق الإنسان والرقابة على الثروة وحماية المال العام ببني ملال ،أخيرا، بيانا أدانت فيه ما يجري داخل مجزرة البلدية التي تعيش وضعا كارثيا ما يتطلب إصلاحها لتستجيب لتطلعات جزاري المدينة الذين يطالبون بتسريع وتيرة إنجاز المجزرة التي انطلقت أشغالها لكنها تعثرت لأسباب لا يعرفها إلا المستفيدون من وضع المجزرة.